موضوع: حق الرسول علينا الإثنين أكتوبر 11, 2010 6:16 am
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
فإن من أعظم الحقوق علىالمسلمينكافة وأهل العلم خاصة بيان فضل نبيهم صلىاللهعليهوسلموعظيم قدره عنداللهتباركوتعالى وعند أصحابه الذين اتبعوه وعاشوا معه ورأوه، وكيف ترجم هذا الجيلهذه المحبة إلى واقع وسلوك!! فما أحوج المسلمون اليوم أن يعرفوا حق نبيهمصلىاللهعليهوسلمعليهم حتى يحبوه كما أحبه ذلك الجيل ويتبعوه كما اتبعه ذلك الجيل.
وإن شئت أن ترى بعض المكانة عند الصحابة رضياللهعنهم فتأمل هذا الوصف الذي رآه عروة ابن مسعود الثقفي سيد من سادات قريش، وهم من أشد خلقاللهعداوة له حينما جاء يفاوض النبي صلىاللهعليهوسلميومالحديبية (ثُمَّ إِنَّ عُرْوَةَ جَعَلَ يَرْمُقُ أَصْحَابَ النَّبِيِّصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَيْنَيْهِ قَالَ فَوَ اللَّهِ مَاتَنَخَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُخَامَةًإِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُوَجِلْدَهُ وَإِذَا أَمَرَهُمْ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ وَإِذَا تَوَضَّأَكَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُواأَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًالَهُ فَرَجَعَ عُرْوَةُ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ أَيْ قَوْمِ وَاللَّهِلَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى الْمُلُوكِ وَوَفَدْتُ عَلَى قَيْصَرَ وَكِسْرَىوَالنَّجَاشِيِّ وَاللَّهِ إِنْ رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُأَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِوَسَلَّمَ مُحَمَّدًا وَاللَّهِ إِنْ تَنَخَّمَ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْفِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ وَإِذَاأَمَرَهُمْ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَعَلَى وَضُوئِهِ وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ وَمَايُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ) [رواه البخاري].
ولا خفاء على من مارس شيئاً من العلم، أو خص بأدنى لمحة من فهم، بتعظيماللهتعالى قدر نبينا صلىاللهعليهوسلم، و خصوصه إياه بفضائل و محاسن و مناقب لا تنضبط لزمام، و تنويهه من عظيم قدره بما تكل عنه الألسنة و الأقلام.
فمنها ما صرح بهاللهتعالى في كتابه، و نبه به على جليل نصابه، و أثنىعليهمنأخلاقه و آدابه، و حض العباد على التزامه، و تقلد إيجابه، فكان جل جلالههو الذي تفضل و أولى، ثم طهر و زكى، ثم مدح بذلك و أثنى، ثم أثابعليهالجزاء الأوفى، فله الفضل بدءاً و عودا ً، و الحمد أولى و أخرى.
ومنها ما أبرزه للعيان من خلقه على أتم وجوه الكمال و الجلال، و تخصيصهبالمحاسن الجميلة و الأخلاق الحميدة، و المذاهب الكريمة، و الفضائلالعديدة، و تأييده بالمعجزات الباهرة، و البراهين الواضحة، و الكراماتالبينة التي شاهدها من عاصره و رآها من أدركه، و علمها علم يقين من جاءبعده، حتى انتهى علم ذلك إلينا، و فاضت أنواره علينا.
فاعلم أيها المحب لهذا النبي الكريم صلىاللهعليهوسلم، الباحث عن تفاصيل جمل قدره العظيم أن خصال الجلال و الكمال في البشرنوعان: ضروري دنيوي اقتضته الجبلة و ضرورة الحياة الدنيا، و مكتسب ديني، وهو ما يحمد فاعله، و يقرب إلىاللهتعالى زلفى.
فأما الضروري المحض فما ليس للمرء فيه اختيار و لا اكتساب، مثل ما كان فيجبلته من كمال خلقته، و جمال صورته، و قوة عقله، و صحة فهمه، و فصاحةلسانه، و قوة حواسه و أعضائه، و اعتدال حركاته، و شرف نسبه، و عزة قومه،وكرم أرضه، و يلحق به ما تدعوه ضرورة حياته إليه، من غذائه و نومه، و ملبسهو مسكنه، و منكحه، و ما له و جاهه.
و قد تلحق هذه الخصال الآخرة بالأخروية إذا قصد بها التقوى و معونة البدنعلى سلوك طريقها، و كانت على حدود الضرورة و قوانين الشريعة.
و أما المكتسبة الأخروية فسائر الأخلاق العلية، و الآداب الشرعية: من الدينو العلم، و الحلم، و الصبر، و الشكر، و المروءة، و الزهد، و التواضع، والعفو، والعفة، و الجود، و الشجاعة، و الحياء، والصمت، و التؤدة، و الوقار،و الرحمة، و حسن الأدب و المعاشرة، و أخواتها، و هي التي جمعها حسن الخلق.
و قد يكون من هذه الأخلاق ما هو في الغريزة و أصل الجبلة لبعض الناس وقديختلف الناس بعضهم عن بعض في هذه ولكن أن تجمع لشخص واحد فهذا من عظيمالفضل لهذا النبي صلىاللهعليهوسلم.
لقد أخذ سبحانه العهد على جميع الأنبياء أن أدركوه أن يتبعوه ويخبروا بذلك قومهم.
وبين سبحانه وتعالى أن محمدا صلىاللهعليهوسلمأمانالهم مما حرفه أحبارهم وعلماؤهم فقال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْجَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَمِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌوَكِتَابٌ مُّبِينٌ} [المائدة15]
وامتن على البشرية كافة أن بعث رسولا منهم وليس ملكا حتى لا تيأس النفسوتعجز عن العبادة إذ لا طاقة لبشر بمتابعة عبادة مما تقوم بها الملائكة قالتعالى: {وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَامَلَكاً لَّقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ( وَلَوْ جَعَلْنَاهُمَلَكاً لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّايَلْبِسُونَ(9)}[الأنعام 8 - 9]
قال جعفر ابن محمد: علماللهعجز خلقه عنطاعته، فعرفهم ذلك، لكي يعلموا أنهم لا ينالون الصفو من خدمته، فأقام بينهمو بينه مخلوقاً من جنسهم في الصورة، و ألبسه من نعمته الرأفة و الرحمة،وأخرجه إلى الخلق سفيراً صادقاً، وجعل طاعته من طاعته، فقال تعالى: {مَنْيُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء80]
قال أبو بكر بن طاهر: زيناللهتعالى محمداً صلىاللهعليهوسلم بزينة الرحمة، فكان كونه رحمة، و جميع شمائله و صفاته رحمة على الخلق،فمن أصابه شيء من رحمته فهو الناجي في الدارين من كل مكروه، و الواصلفيهما إلى كل محبوب، ألا ترى أناللهيقول: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}، فكانت حياته رحمة، و مماته رحمة.
جمعاللهتعالى في هذه الآية لنبيه صلىاللهعليهوسلمما آثره به على باقي الخلق، و جملة من أوصاف المدح، فجعله شاهداً على أمته لنفسه بإبلاغهم الرسالة، وهي من خصائصه صلىاللهعليهو سلم، ومبشراً لأهل طاعته، ونذيراً لأهل معصيته، وداعياً إلى توحيده وعبادته، و سراجاً منيراً يهتدى به للحق.
قال القاضي عياض: هذا تقرير مناللهجل اسمه لنبيه صلىاللهعليهوسلمعلىعظيم نعمه لديه، و شريف منزلته عنده، وكرامته عليه، بأن شرح قلبه للإيمانوالهداية، و وسعه لوعى العلم، وحمل الحكمة، ورفع عنه ثقل أمور الجاهليةعليه، وبغضه لسيرها، وما كانتعليهبظهوردينه على الدين كله، وحط عنه عهدة أعباء الرسالة والنبوة لتبليغه للناس مانزل إليهم، و تنويهه بعظيم مكانه، و جليل رتبته، و رفعه و ذكره، و قرانه معاسمه اسمه.
ولقد كان أهل الكتاب يتناقلون صفته تابع عن تابع ورغم إخفائهم الكثير إلا أناللهسبحانه وتعالى أظهر ما أخفوه.
عن عطاء ابن يسار، قال: لقيت عبداللهبن عمرو بن العاص، قلت: أخبرني عن صفة رسولاللهصلىاللهعليهو سلم قال: أجل، والله! إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: يا أيها النبي إنا أرسلناكشاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، و حرزاً للأميين، أنت عبدي و رسولي، سميتكالمتوكل، ليس بفظ و لا غليظ ولا صخاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة،و لكن يعفو و يغفر، و لن يقبضهاللهحتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا: لا إله إلا الله، و يفتح به أعينا عمياً، و آذاناً صماً، و قلوباً غلفاً.
ولقد كان من عظيم محبةاللهتعالى لنبيه بعدرفعه وعلو شأنه الملاطفة في العتاب رحمة به وفضلا وكرما قال تعالى: {عَفَااللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَصَدَقُواْ وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} [التوبة43]
قال عون بن عبد الله: أخبره بالعفو قبل أن يخبره بالذنب.
و لو بدأ النبي صلىاللهعليهوسلمبقوله، لم أذنت لهم لخيفعليهأن ينشق قلبه من هيبة هذا الكلام، لكناللهتعالى برحمته أخبره بالعفو حتى سكن قلبه، ثم قال له: لم أذنت لهم بالتخلف حتى يتبين لك الصادق في عذره من الكاذب.
و في هذا من عظيم منزلته عنداللهما لا يخفى على ذي لب.
قال علي رضياللهعنه: قال أبو جهل للنبي صلىاللهعليهوسلم: إنا لا نكذبك و لكن نكذب ما جئت به، فأنزلاللهتعالى: {فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ} [الآية]
ففي هذه الآية منزع لطيف المأخذ، من تسليته تعالى لهعليهالسلام،و إلطافه به في القول، بأن قرر عنده أنه صادق عندهم، و أنهم غير مكذبينله، معترفون بصدقه قولاً و اعتقادًا، و قد كانوا يسمونه ـ قبل النبوة ـالأمين، فدفع بهذا التقرير ما قد يتألم به من وصفهم له بسمة الكذب، ثم جعلالذم لهم بتسميتهم جاحدين ظالمين.
ثم عزّاه و آنسه بما ذكره عمن قبله، و وعده النصر بقوله تعالى: {وَلَقَدْكُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُواحَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْجَاءَكَ مِن نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ} [الأنعام34]
و هذه آية جامعة لوجوه الكرامة، و أنواع السعادة، و شتات الإنعام في الدارين. والزيادة.
قال ابن إسحاق: يرضيه بالنصر والتمكين في الدنيا، و الثواب في الآخرة.
و قيل: يعطيه الحوض و الشفاعة.
الخامس: ما عدده تعالىعليهمن نعمه، و قررهمن آلائه قبله في بقية السورة، من هدايته إلى ما هداه له، أو هداية الناسبه على اختلاف التفاسير، ولا مال له، فأغناه بما آتاه، وهدى بك ضالاً، وأغنى بك عائلاً، و آوى بك يتيماً ـ ذكره بهذه المنن، و أنه لم يهمله في حالصغره و عيلته و يتمه و قبل معرفته به، و لا ودعه ولا قلاه، فكيف بعداختصاصه و اصطفائه !
السادس: أمره بإظهار نعمتهعليهو شكر ماشرفه بنشره و إشادة ذكره بقوله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَفَحَدِّثْ(11)}، فإن من شكر النعمة الحديث بها، و هذا خاص له، عام لأمته.