بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه وسلم ثم أما بعد
عْلَمْ - رَحِمَكَ اللّاهُ - بِأَنَّ أَمْرَاضَ القُلُوبِ كُلَّهَا مُتَوَلِّدَةٌ عَنِ الجَهْلَ وَدَوَاؤُهَا العِلْمُ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللّاهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ صَاحِبِ الشُّجَّةِ الَّذِي أَفْتَوْهُ بِالغُسْلِ فَمَاتَ: «قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللّاهُ، أَلَا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا؟ فَإِنَّمَا شِفَاءُ العِيِّ السُّؤَالُ»(1). فَجَعَل العِيَّ -وَهُو عِيُّ القَلْبِ عَنِ العِلْمِ وَاللِّسَانِ عَنِ النُّطْقِ بِهِ- مَرَضًا، وَشِفَاؤُهُ سُؤَالُ العُلَمَاءِ.
فَأمْرَاضُ القُلُوبِ أَصْعَبُ مِنْ أَمْرَاضِ الأَبْدَانِ؛ لأَنَّ غَايَةَ مَرَضِ البَدَنِ أَنْ يُفْضِيَ بِصَاحِبِهِ إِلَى المَوْتِ، وَأَمَّا مَرَضُ القَلْبِ فَيُفْضِي بِصَاحِبِهِ إِلَى الشَّقَاءِ الأَبَدِيِّ، وَلَا شِفَاءَ لِهَذَا المَرَضِ إِلَّا بِالعِلْمِ(2).
فَكَمَا أَنَّهُ لَا حَيَاةَ لِلأَرْضِ إِلَّا بِالمَطَرِ، فَكَذَلِكَ لَا حَيَاةَ لِلْقَلْبِ إِلَّا بِالعِلْمِ.
وَلِهَذَا؛ فَإِنَّ الأَرْضَ إِنَّمَا تَحْتَاجُ إِلَى المَطَرِ فِي بَعْضِ الأَوْقَاتِ، فَإِذَا تَتَابَعَ عَلَيْهَا احْتَاجَتْ إِلَى انْقِطَاعِهِ، وَأَمَّا العِلْمُ فَيَحْتَاجُ إِلَيْهِ القَلْبُ بِعَدَدِ الأَنْفَاسِ، وَلَا يَزِيدُهُ كَثْرَتُهُ إِلَّا صَلَاحًا وَنَفْعًا(3).
وَبِالجُمْلَةِ؛ فَالعِلْمُ لِلْقَلْبِ مِثلُ المَاءِ لِلسَّمَكِ؛ إِذَا فَقَدَهُ مَاتَ، فَنِسْبَةُ العِلْمِ إِلَى القَلْبِ كَنِسْبَةِ ضَوْءِ العَيْنِ إِلَيْهَا، وَكَنِسْبَةِ سَمْعِ الأُذُنِ كَلَامَ اللِّسَانِ إِلَيْهِ، فَإِذَا عَدِمَهُ كَانَ كَالعَيْنِ العَمْيَاءِ، وَالأُذُنِ الصَّمَّاءِ؛ وَاللِّسَانِ الأَخْرَسِ(1).
وَلَيْسَ هَذَا لِكُلِّ عِلمٍ، بَلْ لِلْعِلْمِ المَورُوثِ عَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللّاهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ العِلْمُ النَّافِعُ(2).
رَابِعًا: أَكْلُ الحَلالِ وَاتِّقَاءُ الشُّبُهَاتِ
عَنِ النُّعمَانِ بنِ بَشَيرٍ رَضِيَ اللّاهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّاهِ صَلَّى اللّاهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: « إِنَّ الحَلالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَينَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ، لا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَولَ الحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمَىً، أَلا وَإِنَّ حِمَى اللّاهِ مَحَارِمُهُ، أَلا وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ»(3).
[size=25]
[size=25]__________
[size=16](1) مفتاح دار السعادة (1/371).
(2) زاد المعاد (2/24).
(3) رواه البخاري (52)، ومسلم ([/size][/size][/size]